بطولة العبّاس
الجزء الخامس: الإمام الحسين بن علي عليهالسلام
فسمعَ العباسُ صوتَ زينبِ= وهوَ يرى في غربةٍ سبطَ النبي
قالَ لإخوان لهُ : تقدَّمُوا= فقاتَلُوا في عزة لم يُحْجِموا
همْ جعفرُ الفذُّ وعبدُ اللهِ= وثمَّ عثمانُ فتى الدواهي
إذْ واجَهوا الموتَ رجالاً بررَهْ= مُشبّهينَ بأبيهم حيدرَهْ
فلمْ يكُ العباسُ بَعْدُ يصبرُ= فجاءَ للحسينِ وهوَ يزْأَرُ
يسمعُ صوتَ الصبيةِ العطاشى= حاشاهُ أن يغضَّ طَرْفاً حاشا
يقولُ : يا أَخاهُ ضاقَ صدري= أُريدُ أنْ آخُذَ منهُم ثَأْري
فدمعَتْ عينُ الحسينِ واكتوى= وقالَ : أنتَ أنتَ صاحبُ اللِّوا
إنْ شِئتَ فاطلُبْ للنساءِ ماءا= وصبية باتُوا لنا ظِماءا
فحملَ القربةَ نحوَ المشرعَهْ= وقدْ أُحيطَتْ بالرماحِ المُشْرعَهْ
لم يَرْهَبِ العباسُ ذاكَ الجَمْعا= إلّا وقدْ أثارَ فيهِ النَّقْعا
مُرتجزاً يهدرُ وهوَ يضربُ= يقولُ : هلْ مِنْ فارس يا عربُ
« لا أرهبُ الموتَ اذا الموتُ زقا= حتى أُوارى في المصاليتِ لقى (1)
اِنّي أنا العباسُ أغدو بالسِّقا= ولا أَهابُ الموتَ يومَ المُلْتقى »
وراحَ في قتالهِ يجالدُ= وعنْ بناتِ المصطفى يجاهدُ
حتّى اِذا ما اقتحمَ الفُراتا= وأسكتَ الضجيجَ والأصواتا
مدَّ يداً للماءِ كيْ يغْتَرِفا= ففي فؤادهِ لهيبٌ ما انطَفى
تذكَّرَ الحسينَ والنساءا= وكيفَ ظلُّوا بعدَهُ ظِماءا
فقالَ والدمعةُ في العيونِ= « يا نفسُ مِنْ بعدِ الحسينِ هُوني
وبعدَهُ لا كُنْتِ أو تَكوني= هذا الحسينُ واردُ المَنونِ
وتشربينَ باردَ المَعِينِ= تاللهِ ما هذا فِعالُ دِيني »
فتركَ الماءَ وظلَّ عاطِشا= وملأَ القِربةَ ماءً ومَشى
فاختَبأوا لهُ وراءَ نخلَهْ= يحاولونَ منعَهُ أوْ قتلَهْ
ونَصبوا بغِيلة كَمِيناً= حتّى بَروا من زندِهِ اليَمِينا
فقالَ : « إنْ قطعتمُ يَميني= إنّي أحامي أبداً عَنْ ديني
وعنْ إمام صادقِ اليقينِ= نجلِ النبيِّ الطاهرِ الأمينِ »
ولمْ يزلْ يضربهمْ ضُلّالا= فقطَعوا ذراعَهُ الشِّمالا
وجاءَتِ السِّهامُ مثلَ المَطرِ= فصدَّها بصدرهِ والمنحَرِ
وقدْ أصابتِ السقاءَ الأسهُمُ= أُريقَ ماؤُها وطاحَ العلَمُ
مُذْ ضُرِبَ العباسُ بالعمودِ= وجسمُهُ مُزِّقَ بالحديدِ
فصاحَ يا حسينُ يا غريبُ= أُخيَّ يا مظلومُ يا حبيبُ
عليكَ منْ جِراحي السلامُ= قدْ قالَها وانقطعَ الكلامُ
جاءَ الحسينُ هاتِفاً بصيحةِ= انكسرَ الظهرُ وقلَّتْ حِيلتي
وشُمتَتْ بغُربتي الأعداءُ= مذْ طاحَ مِنكَ السيفُ واللِّواءُ
وعادَ نحوَ خيمةِ الاطهارِ= يُكفكِفُ الدموعَ بانكسارِ
فَسمعَتْ سُكينةٌ وزينبُ= فكثرَ المُعوِلُ والمُنتَحِبُ
وصرختْ زينبُ وا ضيْعَتنا= بعدَك يا عمادَنا وبيتَنا
وندبت فاطِمَ والنبيا= وجعفرَ الطيارَ والوصيّا
هذا الحسينُ مفردٌ في الطّفِّ= وحولَهُ النسا غدَتْ في خوفِ
ونجلُهُ السجادُ في خيمتهِ= يعالجُ المحنةَ في علّتهِ
وعندَها صاحَ الحسينُ مُعلِنا= هلْ مِنْ مُغيث صادق يُغيثُنا
هلْ مَنْ يخافُ النارَ أو يَؤوبُ= فسكتَ القومُ ولم يُجيبوا
وعندَها استعدَّ للمَماتِ= وكانَ آيِساً مِنَ الحياةِ (2)