شَرَقْتَ فشمسُ الأفقِ قد غَرُبت خَجْلى = وسِرتَ مع الأيام مُفتقِداً مِثْلا
حملتَ لواءَ المكرماتِ فلا المدى = يُحَدُّ ولا فكرٌ يُطيقُ لها حَمْلا
لأنّك وحيُ الحقِّ فيها وجامعٌ = لأضدادها لولاكَ ما جُمعتْ شَمْلا
ورددّتها في فُسحةِ الدهرِ سورةً = على مَسْمَعِ الأجيالِ مُحْكَمَة تُتْلى
فطوّقتَ جِيدَ الفخر أغلى لئالئٍ = تحاكيكَ في وصفٍ وجوهرُكَ الأغلى
وقالوا: غديرٌ، قلتُ: بحرٌ تأمّهُ = بحارُ السما والأرضِ راجيةً نَهْلا
وقالوا: بخمٍّ، قلُت: ما الكونُ دونَهُ = سوى رملةٍ بالعدِّ ساجلت الرّمْلا
تناهى اليه المجدُ إذ ضمَّ عالَماً = تضيق به السبعُ الشّدادُ إذا حَلا
وما فضلُ كلِّ الخلق في بحر جودِهِ = سوى قطرةٍ باللطفِ يوسعها فَضْلا
وحارت به الأَفهامُ حتى تباينت = فمِنْ غارفٍ علماً ومِنْ غارقٍ جَهْلا
ومِنْ عارفٍ حقاً ومَنْ في متاهةٍ = يظنُّ به رباً فجاز به العقلا
وإنّ عزيراً والمسيحَ بنَ مريمٍ = لقد ظُنَّ فيهم للألوهةِ مُسْتَجْلى
وما اختلفت في مثلِهِ الناسُ بعدَهُ = وما اختلفت في غيره أبداً قَبْلا
فها هو في قومٍ إلهٌ مقدّسٌ = وفي غيرهم ثأرٌ يؤرّقهم ذَحْلا
وها هو فينا آيةٌ يُهتدى بها = وتحيي الورى رُشْداً طريقتُها المُثلى
ولستُ مغالٍ لا يغالي مُحَمّدٌ = بأنْ خصّه دون الأنام له عِدْلا
وفي (قل تعالَوا) شاهدٌ لا يُزيغُهُ = عن الصدقِ إنْ رابَ الأنامُ به دَغْلا
وفي (هل أتى) ما أعجزَ المدحَ لم يدعْ = له تالياً إلا وكان له أصلا
فتىً خصّه المختارُ من بين قومِهِ = وكان له في كلّ سابقةٍ ظِلا
وكان له سيفاً إذا شبّت الوغى = فيخمد أنفاساً بطعنتِهِ النَّجلا
ويحيي نفوساً أخمد الخوفُ صوتَها = ليبعثَها من بعد ميتَتِها الأولى
متى شُمتَهُ تلقى من الدين شِرْعَةً = على الأرض تمشي لا تَحيفُ ولا تَكْلا
له عَبْرةٌ في الليلِ من خوفِ ربّهِ = تُذيب كدمعِ العاشقينَ إذا هَلا
ولم يفترشْ ليلاً فَراشاً ولا اجتبى = إداماً سوى خبزٍ يُعالجهُ أكْلا
وجاءت له الدنيا على غير موعدٍ = فما روعيتْ أهْلاً ولا وَطِئتْ سَهْلا
وألقت إليه السِّلْمَ تهوى تقرّباً = إليه فما رامت مُجاهِدَةً وَصْلا
وهل تُصطفى ممن رآها حقيقةً؟ = وكم سالمت قوماً لترديَهُمْ قتلى
وما حالُها يخفى على مَنْ ترجّلتْ = لهيبتهِ الأملاكُ أنْ قصدت نَيْلا
وهل تخدعُ الدنيا فتىً جاء منجداً = بَنيها وكان المصطفى المثلَ الأعلى؟
وإنّ الذي ربّاه طفلاً مُحَمَّدٌ = تُرى يجتبي الدنيا ويطلبها كَهْلا؟
وقد كان طَوْدَ العلمِ أمّت رحابَهُ ال = علومُ وقد ألقت بحضرتِهِ الرَّحْلا
فإنْ قيل أقضاهُمْ أقول: مكانَكمْ = دَعوا أفعُلَ التفضيلِ واختصروا القَوْلا
فإنّ الذي في يومِ خُمٍّ تسابقت = الى مدحِهِ الآياتُ قد سبق الكُلا
غداة التقى الجمعانِ والله شاهدٌ = عليهم لما قال الرسولُ وما أملى
على قفرةٍ سَجْراءَ كادت جسومُهُمْ = بلفحِ هجير الشمس من لهبٍ تُصلى
وقام خطيباً فيهمُ خيرُ مرسلٍ = على منبرٍ من كلّ سامقةٍ أعلى
وناداهمُ والناسُ عينٌ ومسمعٌ = وقالوا بنا فأنظرْ فأنت بنا أولى
فقال: جزاكمْ خالقُ الكونِ أمةً = رعت حقّ هاديها ويمَّمت العَدْلا
وقال رسولُ الله فيهمْ وأمرُهُ = جليٌّ كما شمس الظهيرة أو أجلى
فمن كنتُ مولاهُ فبعدي وليّهُ = عليٌّ إماماً قد رضيتُ به مولى
أخي وابنُ عمّي والوِقاءُ لدعوتي = ومن بأسُهُ خاض الحروبَ وما كَلا
وقد بايع الجمعانِ هذا على الهدى = وهذا على الأعقابِ مُنقلباً وَلّى
دعاهم إلى أمرٍ وعَتْها حلومُهُم = ولكنْ هوىً للنفس عن رَشَدٍ ضَلا
وكانوا على علمٍ بأنّ خلافةَ ال = سماءِ به قامت وكان لها أهْلا
وما آمنوا والمصطفى الطهرُ فيهمُ = فهل آمنوا من بعد غيبته فِعْلا؟
ولم يعبدوا رباً سوى العجلِ بعده = كما قومُ موسى بعده عبدوا العِجْلا
وما آمنوا والسامريّون كذّبوا = وكادوا بهارونٍ وقد قطعوا الحَبْلا
وإنّ أخا موسى دعاهمْ لدينهِ = فلم يلقَ إلا من يريد له قَتْلا
وجاؤا بها شوهاءَ لا يعرف الورى = سبيلاً لها إلا المتاهةَ والجهلا
فما بين شورى لا بُليت بمثلها = فقد غادرت حقاً وفرّقت الشّمْلا
وما بين تعيينٍ أقيمت أصولُهُ = على منكَرٍ بالأمسِ لو عرفوا الأصْلا
غدت تملأ الآفاقَ ظلماً أميّةٌ = ولو صَدَقوا المختارَ لأمتلأت عَدْلا
ولو أنّهمْ خلّوهُ يُملي صحيفةً = ولم يُرْمَ بالإهجارِ ما افترقوا سُبْلا
ولو أنّهم والَوا علياً وبعده = بَنيهِ الألى كالدينِ قد ذهبوا قتلى
لما غودِرَ الاسلامُ في كفِّ غاشمٍ = كمروانَ لم يَرْعَ الذّمامَ ولا الإلا
وهل أمةٌ للناسِ بالعدلِ أُخرجت = يسودُ بها جِلْفٌ ويُلبسها الذُلا؟
ويُزوى الذي عن حُكْمِهِ الحقُّ ناطقٌ = ومن كان للرّحمن أولَّ من صلّى
أبا حسنٍ ما زلتَ للمدح مَوْئِلاً = وما زلتَ للأفكارِ تُرهقُها شُغْلا
وما زلتَ للعافينَ حِرْزاً ومَفزعاً = فكنْ شافعي فالذنبُ أجهدني ثِقْلا
فيا رحمة الرّحمنِ جُدْ لي بنفحةٍ = ففضلُك لا يخفى وجودُكَ لا يَبلى