ما ضاق دهرك إلا صدرك اتسعا - في رثاء الحسين عليه السلام
العلويات
ما ضاق دهرك إلا صدرك اتسعا=فهل طربت لوقع الخطب مذوقعا
تزداد بشراً اذا زادت نوائبه=كالبدر ان غشيته ظلمة سطعا
وكلما عثرت رجل الزمان عمى=أخذت في يده رفقاً وقلت لعا
وكم رحمت الليالي وهي ظالمة=وما شكوت لها فعلا وان فضعا
وكيف تعظم في الاقدار حادثة=على فتى ببني المختار قد فضعا
أيام أصبح شمل الشرك مجتمعاً=بعد الشتات وشمل الدين منصدعا
ساقت عدياً بنو تيم لظلمهم=امامها وثنت حربا لها تبعا
ما كان أوعر من يوم الحسين لهم=لولا ... لنهج الغصب قد شرعا
سلاظبا الظلم من اغماد حقدهما=وناولاها يزيداً بئس ما صنعا
فقام ممتثلا بالطف امرهما=ببيض قضب هما قدماً لها طبعا
لاغرو ان هو قد الفى اباه على=هذا الضلال اذا ما خلفه هرعا
وجحفل كالدبا جاء الدباب به=ومن ثنية هرشى نحوكم طلعا(27)
يا ثابتاً في مقام لو حوادثه=عصفن في يذبل لانهار مقتلعا
ومفرداً معلماً في ضنك ملحمة=بها تعادى عليه الشرك واجتمعا
للّه أنت فكم وتر طلبت به=للجاهلية في احشائها زرعا
قد كان غرساً خفياً في صدورهم=حتى اذا امنوا نار الوغى فرعا
واطلعت بعد طول الخوف أرؤسها=مثل السلاحف فيما اضمرت طمعا
واستأصلت ثار بدر في بواطنها=واظهرت ثار من في الدار قد صرعا
وتلكم شبهة قامت بها عصب=على قلوبهم الشيطان قد طبعا
ومذ اجالوا بأرض الطف خيلهم=والنقع أظلم والهندي قد لمعا
لم يطلب الموت روحاً من جسومهم=إلا وصارمك الماضي له شفعا
حتى اذا بهم ضاق الفضا جعلت=سيوفكم لهم في الموت متسعا
وغص فيهم فم الغبرا وكان لهم=فم الردى بعد مضغ الحرب مبتلعا
ضربت بالسيف ضربا لو تساعده=يد القضاء لزال الشرك وانقشعا
بل لو تشاء القضا ان لا يكون كما=قد كان غير الذي تهواه ما صنعا
لكنكم شئتم ما شاء بارؤكم=فحكمه ورضاكم يجريان معا
وما قهرتم بشيء غير ما رغبت=له نفوسكم شوقاً وان فضعا
لا تشمتن رزاياكم عدوكم=فما امات لكم وحياً ولا قطعا
تتبعوكم وراموا محو فضلكم=فخيب اللّه من في ذلكم طمعا
اني وفي الصلوات الخمس ذكركم=لدى التشهد للتوحيد قد شفعا(28)
فما أعابك قتلٌ كنت ترقبه=به لك اللّه جم الفضل قد جمعا
وما عليك هوان ان يشال على=الميَّاد منك محيّاً للدجى صدعا
كأن جسمك موسى مذهوى صعقاً=وان رأسك روح اللّه مذ رفعا
بكاك آدم حزناً يوم توبته=وكنت نوراً بساق العرش قد سطعا
كفى بيومك حزنا انه بكيت=له النبيون قدما قبل ان يقعا
ونوح ابكيته شجواً وقلَّ بان=يبكي بدمع حكى طوفانه دفعا
ونار فقدك في قلب الخليل بها=نيران نمرود عنه اللّه قد دفعا
كلمت قلب كليم اللّه فانبجست=عيناه دمعاً دماً كالغيث منهمعا
ولو رآك بارض الطف منفرداً=عيسى لما اختار ان ينجو ويرتفعا
ولا احب حياة بعد فقدكم=وما أراد بغير الطف مضطجعا
يا راكباً شدقمياً في قوائمه=يطوي اديم الفيافي كلما ذرعا
يجتاب متقد الرمضاء مستعراً=لو جازه الطير في رمضائه وقعا
فرداً يكذب عينيه اذا نظرت=في القفر شخصا واذنيه اذا سمعا
عجْ بالمدينة وأصرخْ في شوارعها=بصرخة تملا الدنيا بها جزعا
ناد الذين اذا نادى الصريخ بهم=لبوَّه قبل صدى من صوته رجعا
يكاد ينفذ قبل القصد فعلهم=لنصر من لهم مستنجداً فزعا
من كل آخذ للهيجاء أهبتها=تلقاه معتقلا بالرمح مدرعا
لا خيله عرفت يوماً مرابطها=ولا على الارض ليلا جنبه وضعا
يصغي الى كل صوت علَّ مصطرخاً=للاخذ في حقه من ظالميه دعا
قل يا بني شيبة الحمد الذين بهم=قامت دعائم دين اللّه وارتفعا
قوموا فقد عصفت بالطف عاصفة=مالت بارجاء طود العز فانصدعا
لا انتم انتم ان لم تقم لكم=شعواء مرهوبة مرأى ومستمعا
نهارها أسود بالنقع معتكر=وليلها أبيض بالقضب قد نصعا
ان لم تسدوا الفضا نقعا فلم تجدوا=الى العلا لكم من منهج شرعا
فلتلطم الخيل خدَّ الارض عادية=فان خدَّ حسين للثرى ضرعا
ولتملا الارض نعياً في صوارمكم=فان ناعي حسين في السماء نعى
ولتذهل اليوم منكم كل مرضعة=فطفله من دما أوداجه رضعا
لئن ثوى جسمه في كربلاء لقى=فراسه لنساه فى السباء رعى
نسيتم أو تناسيتم كرائمكم=بعد الكرام عليها الذل قد وقعا
أتهجعون وهم اسرى وجدهم=لعمه ليل بدر قط ما هجعا
فليت شعري من العباس أرقَّه=أنينه كيف لو أصواتها سمعا
وهادر الدم من هبار ساعة إذ=بالرمح هودج من تنمى له قرعا(29)
ما كان يفعل مذ شيلت هوادجها=قسراً على كل صعب في السرى ظلعا
ما بين كل دعي لم يراع بها=من حرمة لا ولا حق النبي رعى
بني علي وأنتم للنجا سببي=في يوم لا سبب إلا وقد قطعا
ويوم لا نسب يبقى سوى نسب=لجدكم وابيكم راح مرتجعا
لو ما أنهنه وجدي في ولايتكم=قذفت قلبي لما قاسيته قطعا
من حاز من نعم الباري محبتكم=فلا يبالي بشيء ضر أو نفعا
فانها النعمة العظمى التي رجحت=وزناً فلو وزنت بالدر لارتفعا
من لي بنفسٍ على التقوى موطنةً=لا تحفلن بدهر ضاق أو وسعا